رأى الكاتب معين رباني في مقال نشره موقع ميدل إيست آي أن الفارق بين إنكار المحرقة وإنكار إبادة غزة يكمن في أن الأول يُجرَّم قانونيًا في كثير من الدول ويقتصر غالبًا على الهامشيين وأصحاب نظريات المؤامرة، بينما الثاني تحوّل إلى حملة عالمية منظمة وممولة ومروَّجة برعاية مباشرة من الجهة المنفذة نفسها.
لا يعتبر أي صحفي يحترم نفسه إنكار المحرقة وجهة نظر مشروعة، ولا ترى أي وسيلة إعلامية جادة أن الحياد يتطلب منح هذا الإنكار منصة أو مساحة متساوية في النقاشات حول جرائم النازيين بحق يهود أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. بينما في حالة غزة، تتيح مؤسسات إعلامية كبرى مساحة واسعة لإنكار الإبادة وتنقل رواية إسرائيل على نحو روتيني، كما يفعل باستمرار الإعلام البريطاني عبر عبارة "تقول إسرائيل".
في عدد من الدول التي جرّمت إنكار المحرقة، جرى قلب المعادلة: لم يُجرَّم إنكار إبادة غزة بل جرى تجريم معارضتها. خسر كثيرون وظائفهم وفرصهم التعليمية ومساراتهم المهنية بسبب التعبير عن رفضهم، بل زُجّ ببعضهم في السجون. يحدث هذا في لحظة تشتد فيها الحاجة إلى أصوات ضاغطة على الحكومات الموقعة على اتفاقية منع الإبادة لعام 1948، والتي تفرض التزامًا بالمنع والعقاب معًا.
برز في هذا السياق جوناثان جرينبلات، رئيس رابطة مكافحة التشهير اليمينية المتطرفة، كأحد أبرز المحرّضين على معارضي إبادة غزة، معلنًا في مقابلة صحفية أنه لا يعرف التعريف القانوني الرسمي للإبادة. اعتبر الكاتب أن هذه حيلة لتسهيل الإنكار بادعاء الجهل.
طرح البعض تساؤلات حول شرعية استخدام مصطلح "إبادة غزة" قبل صدور حكم من محكمة العدل الدولية. لكن كل المنظمات الحقوقية الرائدة، الفلسطينية والدولية والإسرائيلية، خلصت بالفعل إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة. كذلك أكد عدد متزايد من أبرز الباحثين في دراسات الإبادة والمحرقة الاستنتاج نفسه. وفي 31 أغسطس صوّتت "الرابطة الدولية لدارسي الإبادة" على قرار يعتبر سياسات إسرائيل وأفعالها في غزة إبادة وفق المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة ومعاقبة مرتكبيها.
أصدرت محكمة العدل الدولية أكثر من مرة أوامر لإسرائيل باتخاذ تدابير تضمن عدم انتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة، لكن إسرائيل رفضت التنفيذ كليًا. يتوقع محللون أن تصدر المحكمة في النهاية حكمًا يعتبر إما الحملة كلها إبادة أو بعض سياساتها كذلك.
وصف البروفيسور وليام شاباس، أحد أبرز خبراء القانون الدولي، الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا بأنها "أقوى قضية إبادة عرضت على المحكمة"، محذرًا من مسؤولية دول كأمريكا وألمانيا عن التواطؤ.
أعلنت دول عديدة بينها جنوب أفريقيا والبرازيل وناميبيا وبوليفيا وإسبانيا والأردن وتركيا أن ما يحدث في غزة إبادة. أشار المقال إلى أن الرأي القانوني النهائي للمحكمة لا يلغي وجاهة التوصيف المبكر، إذ يفرض القانون على الدول منع الإبادة حتى قبل صدور حكم قضائي.
ذكّر الكاتب بأن العالم تحدث عن إبادة رواندا وإيزيديي العراق قبل صدور أحكام نهائية، وأن الادعاء بوجوب الانتظار يبدو سخيفًا. فالجريمة التي "تفضح نفسها" يمكن توصيفها فورًا، لا سيما مع تقارير عن أطفال يموتون جوعًا بسبب الحصار الإسرائيلي بينما يسعى مسؤولون لتبرير وفاتهم بأمراض سابقة.
خلص المقال إلى أن إنكار إبادة غزة بات سياسة رسمية وممارسة إعلامية في الغرب، وأن تجريم معارضة الإبادة عوضًا عن إنكارها يفضح ازدواجية المعايير. اعتبر الكاتب أن من المشروع والضروري توصيف ما يجري في غزة كإبادة، وأن أي احتمال بصدور حكم مخالف من المحكمة الدولية ضئيل للغاية.
https://www.middleeasteye.net/opinion/west-criminal-deny-holocaust-while-it-is-dangerous-recognise-gaza-genocide